نسيم طالب - عبقري الرياضيات والتداول
نسيم نيكولاس طالب واحد من أبرز مفكري العصر الحديث. وهو يستحق كل الاهتمام الذي حصل عليه لكونه كسب أموالا طائلة من القيام بأمور لم يسبقه إليها أحد, بل لم يتجرأ أحد على القيام بها سابقا.
ولد هذا الرائد المختال في أميون, لبنان عام 1960, لأبيه الدكتور نجيب طالب طبيب الأورام والباحث في الأنثروبولوجيا, ووالدته منيرفا غصن. كانت عائلته الثرية تتبع المذهب الأرثوزوكسي في بلد مليء بالأقليات الدينية. كما كان جده ووالد جده نائبان لرئيس مجلس الوزراء, وجده الخامس حاكم جبل لبنان في الحقبة العثمانية.
حصل طالب على شهادتي الباكالوريوس والماستر في العلوم من جامعة باريس. كما يحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) من مدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا, ودرجة الدكتوراه في علوم الإدارة (كانت أطروحته عن رياضيات تسعير المشتقات) من جامعة باريس (دوفين) تحت إشراف إليتي جيمان.
بدأ نسيم كمتداول, عمل كمحلل كمّي وأدار شركته الاستثمارية الخاصة, لكنه كلما تعمق في دراسة الإحصاء, اقتنع أكثر أن النظام المالي برمته ليس سوى برميل ديناميت على وشك الانفجار.
أصبح مشهورا بسبب كتبه مثل "خداع العشوائية" و "البجعة السوداء" الذي تحدى به وجهات النظر التقليدية بخصوص النماذج المالية والإحصاءات الرياضية التي تقوم عليها.
في الثمانينيات, عمل طالب في سوق صناعة الخيارات. وهذا يعني أن معظم المال الذي كسبه جاء من خلال دعم حركة العملاء. قام ببيع الخيارات بأسعار أعلى بقليل من أسعار شرائها, واعتمد على الأوامر المسائية محققا ربحا صافيا قليلا. عند حصوله على ربح صاف, قام بتغيير أسعاره لتسوية الأمور.
كان نسيم متداولا جيدا وربح ما يكفي من المال, لكن النقلة النوعية جاءت في 19 أكتوبر 1987 مع انهيار سوق الأسهم. كان قد جمع حصة كبيرة من العقود الأجلة باليورو-دولار والتي كانت تقريبا بلا قيمة. عقود يورو-دولار الآجلة هي رهان لمدة ثلاثة أشهر على أسعار الفائدة المصرفية, حيث تحصل على 25$ عن كل نقطة (مثلا من 7.5% إلى 7.51%). وبالتالي يعتبر اليوم ناجحا إذا تحركت بمقدار 10 نقاط, أي ما يعادل 250$ للعقد. ولكن 19 أكتوبر 1987, شهد 10 أضعاف هذه الحركة, 2500$ للعقد, حيث ارتفعت النسبة من 7.5% إلى 8.5%.
إن تقلبات عقود خارج النقد (التي ينتج عنها كسب المال عندما ترتفع النسبة) أكبر. حيث أن عقدا على المدى القصير عند 8% قد يباع لقاء 100$ عندما كانت النسبة 7.5%, ولكن القيمة ستكون حوالي 1500$ عندما ترتفع النسبة إلى 8.5%.
كان نسيم يملك ما يكفي من هذه العقود ليكسب 35 مليون دولار أمريكي. وقد كان هذا ربحه الأكبر في السوق حتى ذلك التاريخ, لكنه عزا ذلك إلى الحظ الجيد. وهنا بدأ يفكر أن خمس سنوات من العمل المتواصل لا تعني شيئا أمام ضربة حظ واحدة.
قد يقول أحدهم أن الأشخاص الذين يملكون الكثير من المال يمكنهم تجربة استراتيجيات مختلفة خطيرة بل وحتى مضحكة متسببين بإفلاس آخرين لا يملكون هذه التسهيلات, وأن الحظ يلعب دورا كبيرا في ذلك, لكن هذا لا ينفي أن نسيم كان متداولا بارعا.
أشهر توقعات طالب
في 2003, توقع نسيم طالب انهيار الرابطة الفدرالية الوطنية للرهن العقاري "فاني ماي". كانت فاني ماي واحدة من أكثر خبراء إدارة المخاطر جدارة بالثقة في سوق الرهن العقاري, لكن طالب حلل المخاطر المحيقة بها وأبدى نظرة شديدة التشاؤم. قارنها بالجلوس على برميل من الديناميت الذي لا يحتاج سوى إلى شرارة صغيرة لينفجر. تسببت هذه التوقعات بموجة من الغضب والكثير من الانتقادات في عالم المال, لكنها تحققت في نهاية المطاف. بالمحصلة, تسبب انهيار فاني ماي بخسارة دافعي الضرائب الأمريكيين مئات مليارات الدولارات.
في 19 أكتوبر 1987, الاثنين الأسود, عندما انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 22.6%, ربح طالب حوالي 40 مليون دولار أمريكي. وقد كان هذا أكبر انخفاض للسوق في التاريخ الحديث. ما حدث في ذلك اليوم لم يتوقعه أي أحد على الإطلاق باستثناء نسيم طالب. وهو ما عرف لاحقا بالبجعة السوداء.
في توقعاته للمستقبل القريب, يؤكد طالب أنه لا داعي للقلق من اندلاع حرب عالمية ثالثة, لأن الدول التي لا يمكنها تحمل تكاليف هذه الحرب تفضل القيام بما تريد عبر أطراف أخرى. يتحدث نسيم عن "البجعة السوداء" للمواجهة بين الغرب والصين أو بين الغرب والإسلام.
ما هي إذا استراتيجية نسيم طالب في التداول؟
يعتبر طالب نفسه باحثا في علم العشوائية أكثر منه رجل أعمال, ويقول أنه عمل في التداول للحصول على الحرية والاستقلالية المالية.
1. يراهن طالب على الأحداث التي يصعب التنبؤ بها (البجع الأسود).
يتحدث طالب عن "البجع الأسود" كأمر يصعب التنبؤ به وعن الأحداث النادرة التي تقوم على نحو يخالف التوقعات, وتؤدي لعواقب إيجابية أو سلبية مؤثرة على النظام بأكمله.
2. يقوم بحماية أموال مستثمريه من الآثار السلبية لـ "البجع الأسود".
يعتبر طالب رائدا في التحوط من خطر الذيل (وهو ما يعرف الآن بـ "حماية البجعة السوداء"), حيث يتم تأمين المستثمرين ضد الحركات المتطرفة في السوق. يقول أن كسب المال بطريقته يعني العيش في "ميديوكريستان" بدلا من "إكستريمستان".
ميديوكريستان هي البيانات التي يمكن توقعها انطلاقا من بيانات سابقة. خذ 1000 شخص من كل أنحاء العالم. أفريقي, رجل من التشوكتشي, الرجل الأكثر بدانة في العالم, وامرأة صينية. بالمجمل يمكن الحصول على نموذج وسطي (عينان, وزن متوسط, 4 أطراف, الخ) يمثل العينة بأكملها. حتى أن الرجل الأكثر بدانة في العالم لن يؤثر كثيرا على المجموعة.
إكستريمستان تمثل ظاهرة اجتماعية وليس فيزيائية. خذ رأس مال 1000 شخص حول العالم. وأضف إليهم مثلا بيل غيتس. متوسط الأجر في هذه العينة سيكون بنسبة 99.9% من بيل غيتس (أما بقية الـ 1000 شخص فهي لن تؤثر كثيرا). يقول طالب: "في إكستريمستان, التباين كبير جدا بحيث أن نموذجا بسيطا واحدا قد يتسبب بإضافة هائلة على المبلغ الإجمالي".
3. يحرص نسيم طالب على التوازن بين خطر الكسب وحاجة الاحتفاظ بأكبر قدر من الأموال.
كمتداول, تقوم استراتيجيته على تأمين أموال مستثمريه ضد الأزمات وكسب المال من الأحداث نادرة الحدوث (البجعة السوداء), وبالتالي فإن مسيرته في التداول شهدت ضربات ناجحة عديدة تلتها فترات جفاف طويلة.
4. الخيار المفضل لديه هو بيع عقود خيار تساوي سعر التنفيذ مع السعر الجاري "at-the-money" وشراء عقود خيار خارج النقد "out-of-the-money", مستخدما كلا من "put" و "call".
الفكرة هي أن الأفراد يبالغون في تقدير فرص حدوث حركة عادية. تصبح ثريا في المضاربة عندما لا يحدث شيء, أو عند حدوث شيء كبير خارج عن المألوف.
يتناول في كتابه "التحوط الفعال" خيارات التداول من وجهة نظر ممارس لها. حيث يصر على ضرورة معرفة الفرد بما يقوم به, ليس فقط الفهم الكامل لآلية التداول, بل اغتنام الحالات المتطرفة أيضا.
5. تقوم استراتيجية طالب على فكرة أن بعض الخيارات لا تقدر كما يجب بسبب الذيل العريض لتوزيع عائدات السوق.
عند استخدام استراتيجيته, يجب عليك الاستعداد ماليا ونفسيا للبقاء هادئا عندما تشعر أنك تخسر المال لفترات طويلة من الزمن "سنوات". يكفي أن تربح مرة واحدة لتعويض كل شيء!
يقول طالب أنه حقق ثروة عبر استخدامه لهذه الطريقة عدة مرات خلال العقدين الماضيين. يمكن لهذه الاستراتيجية تحقيق عوائد كبيرة للغاية خلال تقلبات السوق الكبرى. لماذا لا تلقي نظرة عليها؟